قائمة المدونات الإلكترونية

9‏/12‏/2010

ابراهيم عيسى يكتب عن الاخوان

مقالة الافتتاحية لجريدة الدستور المصرية في العدد (36) الصادر يوم الأربعاء 23 نوفمبر 2005 بقلم رئيس التحرير الأستاذ / إبراهيم عيسى

أي مواطن منحه الله نعمة العقل ونقمة الضمير الصاحي وقف هذه الأيام بين اختيارين في انتخابات مجلس الشعب، الحزب الوطني وجماعة الإخوان المسلمين… وقد اختار فعلاً وبلا تردد الإخوان المسلمين. أنا أصدق مبدئياً أن كل صوت حصل عليه مرشح الإخوان هو صوت حقيقي لمواطن خرج من داره متغلباً على السلبية ومتحملاً ضغط الدولة وعسس أمن الدولة وصنوف الإرهاب الأمني والترويع وسنج البلطجية وسيوف المسجلين خطراً وإمكانية تزوير صوته وتزييف إرادته وراح إلى صندوق الانتخابات وأعطى صوته لمرشح الإخوان ! وأنا لا أصدق أن أي صوت حصل عليه مرشح الوطني ليس مزوراً ولا مزيفاً ولا محسوباً بطريقة حسابات لجنة أمال عثمان ! لكن لماذا يختار المواطن مرشح الإخوان ؟ ينتخب المواطن الإخوان لأنهم لم يرشحوا فاسداً ولا ناهباً للبنوك ولا سارقاً لقوت الناس ولا ضباط أمن دولة متهمين بتعذيب المواطنين . لم يرشحوا محتكراً لسلعة أو صناعة ولا تجار مخدرات ولا مزوراً ولا شخصاً شارك في بيع ثروة مصر ولا ناهباً قطاعها العام ولا مستبداً عابداً للرئيس ولا منافقاً مصفقاً مطبلاً مزمراً ولا مفصلاً لقوانين ولا ترزياً للتشريعات ولا مطبعاً مع إسرائيل ولا متعاملاً مع منح الأمريكان ولا شريكاً في الكويز ولا أفاقاً ولا نصاباً ولا مدلساً ! يختار المواطن جماعة الإخوان المسلمين دون تردد ودون شك عندما يكون منافسها حزباً فاسداً مستبداً أو حزب المسجلين خطراً، خطر على مستقبل مصر وماضيها وحاضرها ، مسجلون في تاريخ مصر السياسي باحتكار الحكم وأبدية السلطة وتوريث الوطن، مسجلون خطراً باستخدام الطوارئ في قمع الناس وكبت الحريات ، حزب المحاكم العسكرية واثنين وعشرين ألف معتقل، حزب أسقط مصر في قاع الدول اقتصادياً وسياسياً وثقافياً وعلمياً وتعليمياً ، حزب البطالة وقطع أرزاق الناس. يختار المواطن جماعة الإخوان التي تمسك أعضاؤها رغم السجن والاعتقال والتعذيب والموت في سيارات الحجز ورغم محاكم أمن الدولة العليا والمطاردات في الرزق ( أياً كانت ومهما اختلفنا معها أو عليها ) في مواجهة النصابين السياسيين والمخبرين وعبدة السلطة وماسحي الجوخ ومنافقي السلطان ومصفقى قوانين سرقة البلد وأفراد عصبة سياسية تآمرت على وطنها ببيع ثرواته واستنزاف موارده والإثراء الشخصي على حساب جوع الناس وبطالة ملايين الشباب ! يختار المواطن الإخوان المسلمين لأنهم رجال تضحية وبذل من أجل فكرتهم ومشروعهم الفكرى والسياسى ( أياً ما كان الاختلاف معه أو حوله ) في مواجهة بائعي ضمائر وحرباءات نفعية تتلون بالاشتراكية حيناً وبالرأسمالية حيناً ، تفدى زعيمها أياً كان بالروح والدم ثم تنهش في سيرته وسمعته بعد أن يموت ثم تسلم ضميرها مؤجراً مفروشاً أو تمليكاً لرئيس جديد يقبلون أعتابه ويتمرغون في نفاقه ثم يرفعون رئيسهم لمصاف الأنبياء والآلهة لا يسائلونه ولا يحاسبونه ، يتلونون مع كل نظام ويتشكلون مع كل مرحلة ، انتهازيون في السياسة نهازون للفرص ، مع معاداة إسرائيل إن قال الرئيس ، ومع الصلح معها لو أمر ، ومع الشراكة التجارية والصناعية معها لو أشار .

لماذا يختار المواطن مرشح الاخوان المسلمين؟ يختار المواطن الإخوان المسلمين لأنهم لم يمسكوا سلطة ذات يوم فأذلوا الناس ولا صادروا الروح ولا اعتقلوا ولا قتلوا ولا عذبوا ولا نهبوا ولا بددوا ولا مرمغوا بسمعة بلدهم في الوحل ولا انهزموا في كل موقعة ولا نالوا صفراً في كل محفل ، في مواجهة من خيب الأرض فبورها بقوانينه وتواطؤه ومن نحر النهر فلوثه بإهماله وتورطه ومن نشر السحابة السوداء بغبائه وقلة حيلته ومن بث السرطان في النفوس بتلويثه الزرع والسماد ولا نشر فيروس سى في أكباد وكلى المصريين بتلويث مائه وعطانة هوائه. يختار المواطن جماعة الإخوان لأنهم أغنياء من الحلال لا ضبطوا منهم أحداً يتاجر في ممنوعات ولا مهربات ولا يحتكر سلعاً ولا مصانع .. بل تقفل لهم عيادات وصيدليات ومحلات وورش ومصانع نتيجة الاعتقال والمطاردة في مواجهة مليونيرات حزب .. وحزب مليارديرات كسبوا بالحصانة والصفقات المشبوهة والقوانين المفصلة لهم وبالمصاهرة مع رجال السلطة وبالمشاركة مع أولاد النظام ، يصرف الإخوان من أموالهم ويصرف منافسوهم من أموال الناس الغلابة ! ……… تحاول حملة التضليل أن تصم الإخوان بصفات وممارسات الجماعات الإرهابية والفرق كبير والفارق هائل . ليس من مصلحة هذا الوطن الدمج في النظرة ( اللهم إلا إذا كانت نظرة وزارة الداخلية ) بين الإخوان المسلمين وجماعات الإرهاب المسلحة ، فالإخوان تيار سياسي سلمى له برنامجه الواضح وحضوره المدني الواسع وانصهاره في الحياة العامة والنقابات والبرلمان والصحف ، أما الجماعات المسلحة فهي سرية تحتية تكفيرية إرهابية . الإخوان لم يكفروا في يوم أحداً ، ولم يرفعوا سلاحاً في وجه أحد ويعلنون ليل نهار قبولهم بالحكم المدني والاحتكام لصناديق الاقتراع بل ولم يلبس مرشدهم جلباباً ولا نراهم إلا بملابس عادية وبكلامنا اليومي لا تقعروا ولا ترمزوا بأسماء مثل أبى مصعب أو القعقاع ! الإخوان أبناء العصر بينما الجماعات الإرهابية منفصلة عن العصر في الزى والفكر ، في المظهر والجوهر . جماعة الإخوان كائن يتطور وينضج سياسياً ويدخل حلبة المنافسة والمدنية الديمقراطية ويتسع جمهوره وأنصاره بينما الجماعات الإرهابية لا تعترف بالحكم المدني ولا بالديمقراطية والبرلمان وتكفر الجميع وتقتل الجميع .
من مصلحة هذا الوطن أن يكون هناك تيار إسلامي سلمى ديمقراطي ينافس الجميع على السبق بالفوز في الانتخابات مثلما جرى في تركيا أو في ماليزيا ، ولا أفهم من يهمهم مصير هذا الوطن وتلك الأمة ، ما هي مصلحتهم في نفى الإخوان المسلمين من الساحة السياسية والجماهيرية ؟ إذا كان البعض يخشى ويخاف من أن الإخوان سينقلبون على الديمقراطية فهذا تفتيش في الضمائر فالإخوان قالوا وأقسموا أنهم لن يفعلوا . فلماذا نصر ونصمم على العبث داخل قلوبهم والحكم على النوايا وتلك الروح البوليسية الغثة التي يمارسها حتى عقلاء كثيرون في الوسط السياسي واليساري ؟! الحقيقة أن الذي يحتكر الدين والدنيا هو الحزب الوطني والذي يحكم بالكاكى والأمن المركزى هو الحزب الوطني والذي يمارس الاستبداد هو الحزب الوطني والذي يصادر الرأى هو الحزب الوطني والذي يمنع الأحزاب هو الحزب الوطني ، والذي يفرض الطوارئ هو الحزب الوطني ، فلماذا نهاجم الإخوان على ما نعتقد أنهم سيفعلونه بينما لا نقاوم الحزب الوطني على ما يفعله ؟! ….. أما التلويح والتهديد بأن وصول الإخوان لمجلس الشعب قد يدفع الأقباط للفزع وربما للهجرة فالمؤكد أولاً : أن الأقباط هم أكثر شرائح مصر هجرة قبل صعود الإخوان بل في قلب فترة اعتقال الإخوان أيام عبد الناصر ، هذه واحدة ، أما الثانية : أن الأقباط يعلنون كل يوم عن اضطهادهم في عصر مبارك وكثير من هذا حقيقى وله منطقه وبعضه مبالغة مبررة وهذا كله في ظل فترة ليس للإخوان فيها شيئ لا في المعارضة ولا في الحكم . ثم من الذي تجاهل ترشيح الأقباط وأبعدهم عن السياسة ؟ هل هم الإخوان ؟ ثم أخيراً يجب أن يتوقف الأقباط في الحقيقة عن التصرف كأقلية مذعورة فهم مواطنون في هذا البلد لهم حقوق كما لأكبر رأس فيها ومصر وطنهم قبل أن تكون وطن أحد أخر .
مجمل الأمر أننى لا أتصور أن الأقباط يمكن أن يشكلوا حق فيتو على اختيار الشعب الديمقراطى ولا أظن أن عقلاء الأقباط يسمحون لعواطف متوهمة أن تجعلهم في موقع مضاد لاختيار المصريين ، مع ظنى أن كثيراً من الأقباط قد منحوا أصواتهم للإخوان من باب النكاية في الحزب الذي تجاهلهم واستبعدهم

إذا كان الاختيار بين جمال مبارك وعصام العريان فمن حق الناس أن تختار عصام العريان ، وإن كان السجال بين أحمد عز وعبد المنعم أبو الفتوح فطبيعى أن يختار الناس عبد المنعم أبو الفتوح ، وإذا كانت المنافسة بين كمال الشاذلى ودكتور محمد حبيب فالاختيار الأكيد لمحمد حبيب

ليست هناك تعليقات: